السيد علي السيستاني | معالم شخصيته
إنّ من يعاشر السيد السيستاني ( دام ظلّه ) ويتصل به يرى فيه شخصية فذّة تتمتع بالخصائص الروحية والمثالية التي حثّ عليها أهل البيت ( عليهم السلام) والتي تجعل منه ومن امثاله من العلماء المخلصين مظهراً جليّاً لكلمة ( عالم رباني ) وقوله ( عليه السلام ) ( مجاري الامور بيد العلماء امناء الله على حلاله وحرامه ) ومن أجل وضع النقاط على الحروف اطرح بعض المعالم الفاضلة التي رأيتها بنفسي عند اتصالي به درساً ومعاشرة :
ﺃ- الانصاف واحترام الرأي : فان السيد السيستاني انطلاقاً من عشق العلم والمعرفة ورغبة في الوصول إلى الحقيقة وتقديساً لحرية الرأي والكلمة البناءة تجده كثير القراءة والتتبع للكتب والبحوث ومعرفة الآراء حتى آراء بعض العلماء من غير اساتذته أو آراء بعض المغمورين في خضم الحوزة العلمية فتراه بعض الاحيان قد يشير في بحثه لرأي لطيف لأحد الأفاضل مع أنه ليس من أساتذته كالشيخ محمد رضا المظفر في كتابه اصول الفقه، فطرح هذه الآراء ومناقشتها مع أنها لم تصدر من اساطين اساتذته يمثل لنا صورة حيّة من صور الانصاف واحترام آراء الآخرين .
ب- الأدب في الحوار : ان بحوث النجف معروفة بالحوار الساخن بين الزملاء او الأستاذ وتلميذه وذلك مما يصقل ثقافة الطالب وقوته العلمية وأحياناً قد يكون الحوار جدلاً فارغاً لا يوصل لهدف علمي بل مضمونه ابراز العضلات في الجدل وقوة المعارضة وذلك ما يستهلك وقت الطالب الطموح ويبعده عن الجو الروحي للعلم والمذاكرة ويتركه يحوم في حلقة عقيمة دون الوصول للهدف، أما بحث السيد السيستاني (دام ظلّه) فإنّه بعيد كل البعد عن الجدل واساليب الإسكات والتوهين فهو في النقاش مع أساتذته وآراء الآخرين يستخدم الكلمات المؤدبة التي تحفظ مقام العلماء وعظمتهم حتى ولو كان الرأي المطروح واضح الضعف والاندفاع ، وفي اجابته لاستفهامات الطالب يتحدث بانفتاح وبروح الارشاد والتوجيه ولو صرف التلميذ الحوار الهادف إلى الجدل الفارغ عن المحتوى فان السيد السيستاني يحاول تكرار الجواب بصورة علمية ومع اصرار الطالب فان السيد الأستاذ حينئذ يفضل السكوت على الكلام.
ج ـ خلق التربية : التدريس ليس وظيفة رسمية او روتينية يمارسها الأستاذ في مقابل مقدار من المال ، فإن هذه النظرة تبعد المدرس عن تقويم التلميذ والعناية بتربيته والصعود بمستواه العلمي للتفوق والظهور، كما أن التدريس لا يقتصر على التربية العلمية في محاولة الترشيد التربوي لمسيرة الطالب بل التدريس رسالة خطيرة تحتاج مزاولتها لروح الحب والإشفاق على الطالب وحثّه نحو العلم وآداب العلم ايضاً وإذا كان يحصل في الحوزة أو غيرها احياناً رجال لا يخلصون لمسؤولية التدريس والتعليم فإن في الحوزات أساتذة مخلصين يرون التدريس رسالة ساوية لابدّ من مزاولتها بروح المحبّة والعناية التامة بمسيرة التلميذ العلمية والعملية ، وقد كان الإمام الحكيم (قدّس سرّه) مضرب المثل في خلقه التربوي لتلامذته وطلاّبه وكما كانت علاقة الإمام الخوئي (قدّس سرّه) بتلامذته فقد رأيت هذا الخلق متجسّداً في شخصية السيد السيستاني (دام ظلّه ) فهو يحثّ دائماً بعد الدرس على سؤاله ونقاشه فيقول : اسألوا ولو على رقم الصفحة لبحث معين او اسم كتاب معين حتى تعتادوا على حوار الأستاذ والصلة العلمية به وكان يدفعنا لمقارنة بحثه مع البحوث المطبوعة والوقوف عند نقاط الضعف والقوة وكان يؤكد دائماً على احترام العلماء والالتزام بالأدب في نقاش أقوالهم ويتحدث عن أساتذته بروحية وهمّة عالية وأمثال ذلك من شواهد الخلق الرفيع .
د – الورع : إنّ هناك ظاهرة جليّة في كثير من العلماء والأعاظم وهي ظاهرة البعد عن مواقع الضوضاء والفتن وربما يعتبر هذا البعد عن البعض موقفاً سلبيّاً لأنه هروب من مواجهة الواقع وتسجيل الموقف الصريح المرضي للشرع المقدس ولكنه عند التامل يظهر بانه موقف ايجابي وضروري احياناً للمصلحة العامة ومواجهة الواقع وتسجيل الموقف الشرعي يحتاج لظروف موضوعية وارضية صالحة تتفاعل مع هذا الموقف ، فلو وقعت في الساحة الإسلامية أو المجتمع الحوزوي إثارات وملابسات بحيث تؤدي لطمس بعض المفاهيم الأساسية في الشريعة الإسلامية وجب على العلماء بالدرجة الاولى التصدي لإزاحة الشبهات وابراز الحقائق الناصعة فإذا ظهرت البدع وجب على العالم أن يظهر علمه فإن لم يفعل سلب منه نور الإيمان ، كما جاء في الحديث .
ولكن لو كان مسار الفتنة مساراً شخصياً وجواً مفعماً بالمزايدات والتعصبات العرقية والشخصية لمرجع معيّن أو خط معيّن او كانت الأجواء تعيش حرباً دعائية مؤججة بنار الحقد والحسد المتبادل فإنّ علماء الحوزة ومنهم السيد السيستاني ( دام ظلّه ) يلتزمون دوماً الصمت والوقار والبعد عن هذه الضوضاء الصاخبة وما يحدث غالباً من التنافس على الألقاب والمناصب والاختلافات الجزئية كما هو الحال في يومنا الحاضر ، هذا مضافاً لزهده المتمثّل في لباسه المتواضع ومسكنه الصغير الذي لا يملكه وأثاثه البسيط.
هـ ـ الإنتاج الفكري: السيد السيستاني ليس فقيهاً فقط بل هو رجل مثقّف مطّلع على الثقافات المعاصرة ومتفتح على الأفكار الحضارية المختلفة ويمتلك الرؤية الثاقبة في المسيرة العالمية في المجال الاقتصادي والسياسي وعنده نظرات إدارية جيدة وأفكاراً إجتماعية مواكبة للتطور الملحوظ واستيعاب للأوضاع المعاصرة بحيث تكون الفتوى في نظره طريقاً صالحاً للخير في المجتمع المسلم.
إمامته في الصلاة
كان سيدنا الأستاذ (مدّ ظلّه ) في عيادة استاذه المرحوم الإمام الخوئي ( قدّس سرّه )في (29/ ربيع الآخر / 1409 هـ ) لوعكة صحية ألمّت به فطلب منه أن يقيم صلاة الجماعة في محرابه في جامع الخضراء فلم يوافق على ذلك في البداية فألحّ عليه في الطلب وقال له ( لو كنت احكم كما كان يفعل ذلك المرحوم الحاج آقا حسين القمّي لحكمت عليكم بلزوم القبول ) فاستمهله بضعة أيّام وفي نهاية الأمر استجاب لطلبه وأمّ المصلين من يوم الجمعة (5/ جمادى الأولى / 1409 هـ ) إلى الجمعة الأخيرة من ذي الحجّة عام 1414 هـ حيث أغلق الجامع من قبل السلطة