الوصايا الاربعون | الشيخ حبيب الكاظمي
س2/ إن من الأمور الضرورية التي يؤكد عليها، تحقيق حالة المعية الإلهية.. فما هو المقصود من المعية الإلهية؟..
المعية لغة: أي المصاحبة.. إن المعية من جهة الله تعالى للعبد مؤكدة، كما نفهم من قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ}..فهو معنا تكوينا وإشرافا ورعاية، والمطلوب أن نبادله هذه المعية.
إن البعض يرى أن المعية الإلهية من جهة العبد لربه، هي أمر تكاملي استحبابي تشرفي تفضلي.. والحال بأن هذا مقتضى الأدب!.. وإلا كيف يعقل أن رب العالمين يلتفت إلى العبد، والعبد لا يلتفت إليه!.. فهو تعالى معه، وهو لا يلتفت إلى هذه المعية!..
ولهذا فإن بعض الأولياء والصالحين-وهم النادرون في كل العصور- يصل إلى درجة من الشفافية الروحية، أنه عندما ينام يستحي من ربه، مع أنه بحاجة إلى النوم، وينام متوضأ متطهرا؛ لأنه يتذكر أن الرب لا تأخذه سنة ولا نوم، وهو ينام عنه.. ولهذا فإن المؤمن المثالي يحاول أن يقلص من ساعات النوم، إلى أقل حد ممكن؛ لأن النوم انقطاع عن الله تعالى، ورب العالمين عينه لا تنام وهو ينام.. وعندما يستيقظ من النوم، فإنه يقوم ببعض الأدعية، فمثلا يقول: (الحمد لله الذي رد علي روحي لأحمده وأعبده)، وكأنه يريد أن يعتذر عمليا مع رب العالمين، عن انشغاله عنه في هذه الفترة.
وإن تحصيل المعية يكون من خلال المراقبة المستمرة، بنوعيها: مراقبة نفسه: أي في سلوكه.. ومراقبة ربه: بمعنى أن يستشعر نظرة الله تعالى إليه، ويعيش المحضرية الإلهية.
ولهذا فإن الذي تشتد عنده حالة المعية الإلهية، فإنه لا يمكنه أن يعصي.. كنزع الثياب، فهو أمر ممكن، وطبيعي للإنسان في حياته اليومية.. ولكن الإنسان وهو في السوق يستحيل أن ينزع ثيابه؛ لأنه يعيش معية الخلق، وملتفت أن الناس ينظرون إليه، ويلتفتون إليه..
إن الإنسان المؤمن قد يصل في استشعاره للمعية الإلهية هكذا، أنه يستحيل أن يعصي الله تعالى.. ومن المعلوم أن التقوى لباس المؤمن، بصريح الآية الكريمة: {وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ}.. وعلى ذلك، فإن المعصية من مصاديق التخلي والتعري عن اللباس، والقرآن يشير إلى هذه الحقيقة، في قصة أبينا آدم (ع)، في قوله تعالى: {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ}.
فعليه، إن هذه المعية الإلهية ليست قضية نفسية فحسب، وإنما هي مسألة دخيلة في حياتنا اليومية.