من السور القرآنية الكريمة التي اُوصينا بقراءتها كل ليلة هي تلك التي تتحدث عن القيامة وصحراء المحشر واسمها سورة الواقعة، إذ قد جاء التأكيد في المأثور على قراءتها كل ليلة.
الملاحظة اللافتة والمهمّة جداً والبالغة الأثر من الناحية التربوية التي تطرحها هذه السورة المباركة هي أن الناس يوم القيامة لا يقسَّمون إلى فئتين، صالحة وطالحة، بل إلى ثلاث فئات. فعبر تقسيم بالغ الأهمية يصوّر الله تعالى حصيلة حياة الإنسان يوم القيامة بهذه الصورة؛ وهي أنه يوم القيامة: «كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَة»، أي ستقسَّمون هناك إلى ثلاث فئات. فليحزر الشباب ما هي هذه الفئات الثلاث؟ التقسيم الأساسي يوم القيامة، والذي يتعين علينا انتهاجه في هذه الحياة الدنيا أيضاً، والنظرة التي لابد ـ عبر المنظار الذي زودنا الله به في هذه السورة ـ أن ننظر بها إلى الحياة والمجتمع والمجاميع البشرية هي أن الله يقسّم الناس إلى ثلاث فئات:
«فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَة»، الفئة الأولى هم السعداء الذين حظوا باليُمْن والمسرّة والبركة. «ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَة»، وكأنه يريد أن يقول: لا تعلمون أيّ سعادة تغمر هذه الفئة. الفئة الثانية «وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَة»، إنهم الذين استولى الشؤم على كل كيانهم، وأي شؤم هم هؤلاء! هؤلاء هم أفراد الفئة الثانية. وقد فُرّق، في الحقيقة، بين الصالحين والطالحين بشكل جلي. أما الفئة الثالثة: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُون * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُون». أصحاب الفئة الثالثة هم الذين يسبقون غيرهم ويتقدّمون عليهم. يقول: «أُولئِكَ الْمُقَرَّبُون»، أي ليس المقرّبون إلا هؤلاء.
لكن ما المراد بالسَّبْق؟ يعني أن الناس يسبق بعضهم بعضاً؛ فالمشاركون في هذا المجلس مثلاً
هل جاء كل فرد منهم ليكسب الثواب، أو يصيب النور، أو ينال القُربة ثم يعود، فحسب؟ أم إنكم أتيتم لتتسابقوا؟! إذ عند اختتام المجلس سيأتي النداء من العالم الأعلى متسائلاً: أيُّ الحضور بات أكثر قرباً؟ أيُّهم فاق الجميع في التوسّل؟ أيُّهم كان أشدّ محبّة من غيره؟ إنه سباق! نحن إنّما خُلقنا لخوض سباق!
تعالوا لنحوّل ذهنيتنا إلى ذهنيةَ سباق. أنتم لماذا ترتادون المسجد يا ترى؟ من أجل الفوز في السباق. ثم لأي شيء تنخرطون في سلك الثوريين الولائيّين؟ ولأي سبب تجاهدون في سبيل الله؟ ولماذا تطلبون العلم؟ وا حسرتاه، إذ قد انتُزعت ذهنيةُ السباق من ديننا وباتت ـ للأسف ـ وزارة التربية والتعليم تعلّم شبابنا ديناً انفعالياً، فالالتزام بقوانين المرور ليس بحاجة إلى ذهنيةِ سباق؛ لا تخالف، كي لا تُغرَّم، لكنه ليس سباقاً، فليس سيرُك في الشارع سباقاً، بل عليك مراعاة القانون وحسب، أما الدين فليس هو على هذا النحو، فالدين سباق، الدين يقارن بين المؤمنين؛ فالزوجان اللذان يعيشان تحت سقف واحد إنما هما يتسابقان ليريا أيهما سيكسب السباق، أيهما سيغدو أعَزّ عند الله، أيهما أكثر صفحاً من صاحبه، أيهما يتنازل عند التنازع، أيهما يفوق قرينه في كسب رضاه. عليك أن تكسب السباق!
يُروى أن رجلاً اسمه عيسى بن عبد الله دخل على الإمام الصادق (ع) فرحّب به عليه السلام وقرَّب مجلسَه منه احتراماً له ثمّ قال: «يا عيسى بن عبد اللّه، لَيسَ مِنَّا وَلا كَرَامَةَ مَن كَانَ فِي مِصرٍ فِيهِ مِائَةٌ أَلفٍ أَو يَزِيدُونَ وَكانَ فِي ذَلِكَ المِصرِ