الشيخ حبيب الكاظمي | الوصايا اﻻربعون
______________________________________________
إن البعض يعول على التوفيق الإلهي دون السعي البشري، فكيف نوفق بين الأمرين؟
إن هناك فرقا بين التوكل والتواكل!.. فإن البعض متقاعس، ويهمل عالم الأسباب، ويكتفي بالدعاء على حساب السعي، بدعوى التوكل!.. وإن هذا من الأمور الباطلة جدا!..
فلا ينبغي للمؤمن أن يكون ساعيا من دون دعاء، فيكون كالماديين!.. فالماديون يبذلون قصارى جهودهم، ويرون بأن النجاح مرتبط بعالم الأسباب..
ولا أن يكون داعيا من دون سعي، فيكون متواكلا، ويدخل في دائرة الذين لا يستجاب لهم.. فقد ورد في الروايات ذكر لبعض الأصناف الذين يدعون ولا يستجاب لهم، ومنهم: رجل أعطى دين، ولم يكتب وثيقة بذلك، عملا بما قال الله تعالى: {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}.. ورجل يدعو على زوجته؛ لأن أمر طلاقها والفكاك منها بيده، إن هو ضاق ذرعا من سوء خلقها، وسعى في إصلاحها وما نفع.. ورجل يطلب الرزق، وهو لا يسعى في طلبه
.
قال الإمام الصادق (ع): (أربعة لا تستجاب لهم دعوة:
رجل جالس في بيته، يقول: اللهم ارزقني.. فيقال له: ألم آمرك بالطلب؟!..
ورجل كانت له امرأة، فدعا عليها.. فيقال له: ألم أجعل أمرها إليك؟!..
ورجل كان له مال فأفسده، فيقول: اللهم ارزقني.. فيقال له: ألم آمرك بالاقتصاد؟!.. ألم آمرك بالإصلاح؟!.. ثم تلا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}.
ورجل كان له مال، أدانه بغير بينة.. فيقال له: ألم آمرك بالشهادة؟!.).
فعليه، لابد من الجمع بين السعي البشري، بأعلى صوره الممكنة، وبين الاعتماد على عالم المدد الغيبي.. وهذا هو ما نلحظه في حياة النبي (ص)، فقد كان في حروبه مع الكفار يتقن الأسباب المادية للنصر، فتارة نراه يحفر خندقا، وتارة يتبع أسلوب تقسيم الجيش إلى ميمنة وميسرة وقلب وهجوم؛ وبعد ذلك يدعو.. فمع أن دعاء النبي (ص) دعاء بليغا ومجابا، لكنه كان يجمع بين السعي والدعاء.
ثم إن رب العالمين ليس بناؤه على خرق القوانين، في كل صغيرة وكبيرة.. إن هذا الأمر كان لمثل حال إبراهيم (ع) مع النمرود، إذ جعل له تعالى النار بردا وسلاما.. ولموسى (ع) مع فرعون، إذ أوجد له تعالى في البحر طريقا يبسا.. وللنبي (ص) مع مشركي مكة، كما في معركة بدر وغيرها..
فلا ينبغي التعويل على الأسباب غير الطبيعية، لأن رب العالمين بناؤه على الأسباب، إذ جعل العالم عالم الأسباب، وجعل لكل شيء سببا، وهذا القانون العام لا يخرق إلا في موارد محدودة جدا، وليس الأمر متاحا لكل أحد في كل زمان.