الوصايا الاربعون | الشيخ جبيب الكاظمي
س1/ ما هي الضوابط العامة للمشورة؟..
إن المشورة من الأمور المهمة، التي لا غنى للسالك عنها، والتي تكفيه الكثير من التبعات، التي قد يقع فيها ما لو استأثر واستبد برأيه.. فيخطئ من يظن أنه وصل في حياته إلى مرحلة لا يحتاج إلى المشورة أو رأي الغير، إن هذا تصور غير صحيح.. فالمشورة مشاركة للناس في عقولهم.. والإنسان حسب عمره القصير، وأسلوبه في حياته، له تجارب محدودة.. فمن الراجح الاستفادة من خبرات الغير، الذي بلغ من العمر مبلغا أكثر منه، ومر بتجارب هو لم يمر بها.. والمشورة تعجل له معرفة النتائج، فيتحفز للوصول للنافع من الثمار، وينفر عن كل ما يوقعه في المضار..
ورد في حديث عن النبي (ص): (رأي الشيخ أحب إلى من جلد الغلام).. يعني لو دار الخيار بين أن يعطي أمرا لشاب له جلد ونشاط، وبين أخذ رأي من رجل كبير السن؛ فإن رأي الشيخ أفضل لتمام الأمر.
ولا نقصد بقولنا لزوم المشورة، طرق أبواب الاستشاريين بالمعنى العرفي، فهذا راجح في بعض الحقول، كحقل الطب في القضايا الطبية.. أما في القضايا الغيبة، فيما يتعلق بعالم الأنفس، فيحتاج الإنسان إلى مشورة خبراء النفس، الذين تنورت نفوسهم بأنوار عالم الغيب.. فحتى يحصل الإنسان على شيء ينفعه، لابد أن يكون المستشار مسددا بنوع من أنواع التسديد الإلهي، وهو ما يعبر عنه في روايات أهل البيت (ع)، بفراسة المؤمن: (اتقوا فراسة المؤمن).. فالمؤمن له فراسة، وهذه الفراسة ما جاءت من فراغ، إنما جاءت من عبادات، ومن خلوات مع رب العالمين.. فإن الذي يختلي مع رب العامين في جوف الليل، يغشيه بنوره، ومن هذا النور نور معرفة الأشياء، وقد أشار النبي الأكرم (ص) إلى هذا النور في قوله: (اللهم!.. أرني الأشياء كما هي).
فعليه، نحن نشترط في المشورة في القضايا الأنفسية، أن يراجع الإنسان عبدا مستنيرا إجمالا بنور الله تعالى.
ومن المعلوم أن مشورة الغير، شكل من أشكال الاستخارة، وذلك بأن يتوسل المؤمن ويدعو الله تعالى، قائلا: (اللهم!.. اجعل خِيَريتي فيما يقوله فلان).
والنصيحة للذي يريد أن يسدي المشورة: أن يتقي الله تعالى أولا، ويطلب من الله تعالى أن يلهمه التسديد.. وخاصة إذا كان مستشارا في قضايا مصيرية، كأن تستشيره امرأة، في الانفصال عن زوجها.. أو تكون قضية فيها شيء من الخصومة، وطُلب منه القضاء أو الفصل بين المتخاصمين، وهو قد لا يكون قاضيا اصطلاحيا شرعيا، بل حكما أو مستشارا بين متخالفين.. فهنا الأمر يحتاج إلى دقة بالغة، لئلا ينحاز إلى أي منهما؛ ويكون في إبداء الرأي مطابقا للمصلحة الواقعية.. فالأمر يحتاج حقيقة إلى استنارة بنور الله تعالى.
أقرأ ايضا في
شبكة عشق الروحية
الشيخ حبيب الكاظمي وصية 12 - هل يمكن استشارة رب العالمين؟