الوصايا الاربعون | الشيخ جبيب الكاظمي
س2/ هل يمكن استشارة رب العالمين؟..
إن القضية ليست فقط ممكنة، بل واقعة وراجحة!.. إلا إنها تحتاج إلى مقدمات كثيرة!.. ونحن علاقتنا برب العالمين، يمكن أن نعبر عنها بأنها علاقة غير نموذجية!.. فهي إما علاقة الحاكم بالمحكوم، أو علاقة المعذِّب بالمعذَّب، وبعض الحالات علاقة المكافِئ بالمكافَئ.. فإن علاقتنا مع رب العالمين علاقة مجردة عن العواطف.. والحال أننا نلاحظ في دعاء الجوشن أو غيره، الكثير من تعابير الحب بين العبد والمولى تعالى: يا حبيب القلوب!.. يا أحب من كل حبيب!.. يا خير من خلا به وحيد!.. فهذه العبارات العاطفية، تريد منا أن نحول العلاقة بالله تعالى، من علاقة الخوف والطمع، إلى علاقة الإنس والمحبة؛ ومقتضى ذلك: المشورة..
فمثلا: شاب يحب أن يتزوج بفتاة أو العكس، فما المانع أن يستشير رب العالمين، ويطلب منه أن يسدده، قائلا: يا ربي!.. جعلت أمري إليك!.. خر لي واختر لي!.. ولعل يأتيه الجواب من خلال التسديد العملي، سلبا أو إيجابا.. فمثلا: شاب مقدم على فتاة بكل إصرار، والأرضية مهيأة، فلما يناجي ربه بالمشورة، فإن الأمر لا يتم، ولعل هذا معنى من معاني القول الوارد: (عرفت الله بنقض العزائم وفسخ الهمم).
ولا شك أن العبد إذا أصبحت علاقته مع ربه بمستوى متميز، فإن الرب يتحبب إلى هذا العبد، ويتولى شؤونه إلى درجة أنه يزوجه أو يطلق زوجته؛ والقرآن الكريم يذكر لنا هذا الأمر، قال تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ}.. وإن كان هذا خاصا بالنبي (ص)، إلا أنه من الواضح أنها درجة ممكنة أيضا لنا، ونحن نتأسى بالنبي (ص)، فيمكن للشاب أيضا أن يقول: يا رب!.. كما زوجت نبيك، أنا أيضا زوجني، فأنت الرب الودود!..
فينبغي أن يحاول الإنسان في حياته، أن يطور علاقته مع ربه، إلى هذا المستوى العاطفي، بأن يصل إلى درجة تجعله يستشير الرب في أموره وما يهمه.. من المتعارف أن الفتاة إذا أهمها أمر، أنها تراجع أمها، وكذلك الفتى يراجع أباه؛ لكون الأب والأم من أرفق وأحن الناس على الإنسان.. ومن المعلوم أن رب العالمين هو الأبر والألطف بالعبد من أبيه وأمه، فإن رب العالمين خير من يستشار، وينقطع إليه، فيما يمر به الإنسان من أزمات في حياته.