الشيخ حبيب الكاظمي | الالتجاء إلى الله تعالى
إن من المناسب للإنسان أن يكثر من الدعاء في أن يبارك الله عزوجل له في أسرته.. ومن المعلوم أن هذا هو ديدن الأنبياء (ع)، إذ الملاحظ أن الأنبياء (ع) كانوا يفكرون في ثمرة الحياة الزوجية، ويطلبون من الله عزوجل الدرجات العليا لذرياتهم.. فهذا إبراهيم (ع) يُجعل للناس إماماً، فيطلب ذلك لذريته: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}.. وهذا نوح (ع) يهمه أمر ولده الكافر، فيطلب من الله تعالى أن ينجيه من الغرق: {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ}.
إن المؤمن بعيد النظر، يحاول أن يقطف ثمار هذه الحياة الزوجية، ليحقق السعادة في تلك الليلة الموحشة.. ولهذا فإن المؤمن من ليلة الزفاف -تلك الليلة؛ ليلة فوران الغرائز، ليلة الوصول إلى الطموحات والآمال الغريزية- يعمل بمستحبات ليلة الزفاف: يصلي، ويبتهل إلى الله تعالى، ويدعو أن يبارك له في زواجه، ويطلب الذرية الصالحة.. نعم، أنت في تلك الليلة تغرس بذرة، وهذه البذرة تنمو بمباركة الله عزوجل، وبسقيك أنت لهذه البذرة، إلى أن تعطي الثمرة في تلك الليلة الموحشة: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).. في تلك الليلة ابتهلت إلى الله عزوجل، برغم الدوافع الغريزية، ولم تحاول أن تنسيك ذكر الله عزوجل، وإذا بك تقطف الثمار في تلك الليلة الموحشة.
ولهذا نقول للذين يدّعون أنه لا حاجة لديهم للزواج -كأن تحب البنت أن تتبتل، ويحب الرجل أن يتخلص من تبعات الحياة الزوجية وتشكيل الأسرة-: ادعُ الله عزوجل بأن يجمع شملكم في حياة زوجية سعيدة!.. لأنه كل البركات الأخرى، لا يمكن أن تعوض بفقدان الذرية.. هب أنك تفرغت لخدمة الدين، وأنت أيتها المؤمنة تفرغت للانقطاع إلى الله عزوجل، ولكن سيأتي ذلك اليوم الذي تعيشين الوحدة في ذلك العالم.. طبعاً، هذا إذا كان التقصير من الإنسان، أما إذا كان قضاءً وقدراً فهذا أمر آخر.. فهذا ليس بالأمر المرغوب فيه، أن يتعمد الإنسان ويرغب ويتمنى هذه الحالة!.. ومن المعلوم أن هذه من سنة النبي (ص)، ولو كان التبتل بهذا المعنى أمراً حسناً، لقامت به فاطمة (ص).. ليس هذه من شعار الإسلام أبداً!.. هنيئاً لمن كان سعيداً في حياته الزوجية، بمباركة الله عزوجل!.. ومن كان سعيداً بعد وفاته، بتلك الذرية الصالحة التي تمده بالعطاء والأجر العظيم، في مرحلةٍ أحوج ما يكون فيها إلى حسنة واحدة ترجح من كفة حسناته!..