الامام الخامنئي | خطاب القائد لأحياء ذكرى الشهداء
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
الحمد الله فإنّ جلستنا هذه معطرةٌ بأريج الشهادة. أيها الإخوة الذين قدمتم من محافظتي "كهكيلوية وبوير أحمد" و"خراسان الشمالية"، قد شددتم الهمّة باسم الشهداء وذكرهم وفي سبيل خدمتهم، واليوم أيضاً تلطّفتم وشرفتمونا بالمجيء إلى هنا. مأجورون إن شاء الله، أدام الله نواياكم وعزمكم الراسخ، وتقبّل منكم هذه الخدمات والجهود، وجعل منافع هذه الخدمات الثقافية القيّمة تصل لشعبنا الذي هو اليوم بأمسّ الحاجة إليها.
وبما أنكم في المجموعتين الحاضرتين من جنس واحد، سنتحدّث إليكم بحديث واحد؛ ولأنه ذكر الشهداء وذكراهم فإنّ بركة الشهداء ستظلّل هذا الجمع وتشمل هذا الحديث إن شاء الله.
..ذكراهم حيّة
على الرغم من مضيّ ما يقارب ثلاثين عاماً -28 عاماً- على انتهاء الدفاع المقدس، إلا أنّ ذكرى الشهداء وأسماءهم لا يصيبها القِدم ولا تضيع. السبب في ذلك قوله سبحانه وتعالى: ?أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ?(2)؛ فهم أحياء في الواقع. هذا هو حال الشهداء على مر التاريخ أيضاً؛ كم من العلماء الكبار والشخصيات الجليلة والسياسيين الكبار قد ماتوا ورحلوا عن الدنيا، وقلّما يوجد منهم من بقي ذكره خالداً في أوساط المجتمع، إلّا أنّ الشهداء الذين عُرفوا بعنوان شهداء فإنّ ذكراهم حيّة وستبقى هكذا. وهكذا هم شهداؤنا أيضاً. إنّ ذكرى الشهداء حيّة، ويجب علينا أن نتابع إحياء ذكراهم وتخليد أسمائهم كقضية هامة. ذلك أن الشهداء يحملون البشارة: ?وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ?(3)، الشهداء يقولون لنا: لا تخافوا ولا تحزنوا ولا يستولي عليكم الإحباط واليأس، الشهداء يحفظون النعمة الإلهية واللطف الإلهي والبركات الإلهية أمام أنظارنا، وهذا هو الشيء الذي نحتاجه اليوم.
حرب اليوم: السيطرة على الأجواء الفكرية
واليوم فإنّ هدف حرب العدوّ الناعمة وحربه الخفية، هو أن يبعد الناس عن ساحة الجهاد والمقاومة، وجعلهم غير مبالين بالمثل العليا؛ هذا هو هدفهم. وهم يديرون هذه الحملات الإعلامية الواسعة والتي ينفقون عليها المليارات، لتحقيق هذا الهدف وهو تيئيس الشعب الإيراني -الذي استطاع بمقاومته وصموده إفشال الكثير من مخططات القوى العالمية والأنظمة الكبرى– وإخراج هذا الشعب من الميدان. هذا هو الهدف. حتى حين يقوم الأعداء بالضغوط الاقتصادية، أو يمارسون الضغوط السياسية، أو الضغوط الأمنية فهذا هو الهدف. أما أن نتصوّر بأنّ العدو يريد شنّ حربٍ واحتلال جزء من أراضي البلد، فهذه أساليب قديمة؛ وهي غير مطروحة اليوم، والعدوّ لا يريد هذا. وحتى لو قام العدوّ اليوم بعمل عسكري -على سبيل الفرض– فسيسعى لتحقيق ذلك الهدف؛ أي السيطرة على الأجواء الفكرية والروحية للبلاد. وعندما يقوم بأعمال اقتصادية أو أمنية أو نفسية، أو يستخدم الفضاء الافتراضي والفضائيات وشبكات الإذاعة والتلفاز، أو يشغّل المبلّغين العملاء المرتزقة في جميع أنحاء العالم، فهو يسعى في كل تلك الأعمال وراء هذا الهدف.
ذكر الشهداء؛ للثبات في المواجهة
حسنًا، في مثل هذه الظروف، فإن ذلك الشيء الذي يمكنه أن يثبّت أقدام الشعب، وأن يخلق فيه الشوق والنضارة، هو ذكر الشهداء؛ أي إنه من جملة العوامل المهمة ذكر الشهداء؛ لذلك فإن مسألة إحياء ذكرى الشهداء وهذه المؤتمرات الكبرى التي تقام من أجل الشهداء لها أهمية بالغة؛ إنها أعمال ذات قيمة عالية.
التقارير التي قدّمتموها أيها السادة؛ سواء الإخوة الذين تكلموا حول الأعمال في" كهكيلوية وبوير أحمد"، أو الإخوة الذين تكلموا حول الأعمال في "خراسان الشمالية"، تشير إلى أنّها كانت أعمالًا جيّدة. بالطبع فهذه الأعمال كلها ليست على مستوىً واحد، بعضها جيّد، وبعضها الآخر أجود، بعضها ذات تأثيرات أعمق، وبعضها الآخر ليس كذلك؛ ولكن في كل حال فإنّ المحافظة على ذكرى الشهداء اليوم هي مسؤولية وواجب.
وهنا يوجد عدّة نقاط أساسية يجب الالتفات إليها؛ الأولى هي أن نسعى في بيان سيرة الشهداء لأن نبيّن خصائص حياتهم ونمط حياتهم ونوعية سلوكهم في الحياة، هذا أمر مهم. حسنًا، إنّ حماس الحرب والذهاب إلى جبهات الحرب هي قضية، وهي قيّمة بالطبع، حيث يضع أشخاص أرواحهم على أكفّهم ويذهبون ليحاربوا؛ لكن روحية الإنسان وخصائص حياته، وماضيه ومبانيه الفكرية والعقائدية هي قضية أخرى وفي غاية الأهمية. هذا الشهيد الذي تتأثرون بذكراه وتضحيته وشهادته في ساحة المعركة، كيف كان يتصرف في حياته الأسرية، وكيف كان يتعامل في أجواء الحياة العادية؛ هذه أمورٌ بالغة الأهمية؛ أو في ما يخصّ المسائل التي تهمّنا اليوم، كيف كان هؤلاء الشهداء يتعاملون معها.
أفرضوا مثلا، كيف أنّنا اليوم نظهر حساسية إزاء الإسراف، إزاء التطاول والاعتداء على بيت المال، وإزاء النزعة الأرستقراطية، أي إنّ هذه المسائل مهمة ومطروحة حالياً لدى أوساط مجتمعنا الحريصة، فكيف كان شهداؤنا الأعزاء يتعاملون مع هذه القضايا في ذلك اليوم حين كانوا أحياءً يعيشون داخل مدنهم وعائلاتهم.
بثّ التلفاز بالأمس أو ما قبله، برنامجاً حول بعض الشهداء وقد تابعته بالصدفة لبعض دقائق؛ ما قيل عن أولئك الشهداء وما ورد في وصاياهم، حقاً إنّ الإنسان يقف متحيراً أمام العظمة الروحية لهذا الشهيد، يقول إنّي تابعت الدراسة وأخاف أن يكون درسي هذا - الذي تمّ تخصيص أموال وميزانية له- قد فُرض على بيت المال، وأن تكون هذه التكاليف في ذمتي؛ عندما أستشهد قوموا ببيع دراجتي النارية، واسحبوا أموالي من البنك، وادفعوها إلى بيت المال لا في تلك المصاريف! إنها دروس؛ إنها عِبر.
كيف كانت معيشة الشهداء؟
خذوا مسألة زواجهم على سبيل المثال؛ في مذكرات الشهداء وسِيَر حياتهم -بذلك المقدار الذي شاهدته وطالعته ورأيته- تذكر قضية زواجهم؛ كيف كان زواج هؤلاء، كيف كانوا يختارون زوجاتهم –عن أي نوع من الزوجات كانوا يبحثون– ثم مراسم العرس، وصولاً إلى أسلوب تعاملهم داخل الأسرة، كل هذا في قمم الأخلاق الإسلامية. إننا مبتلون اليوم ونحتاج إلى هذه الأشياء. كيف يفكّر شبابنا اليوم في الزواج وفي اختيار الزوج، وكيف ينبغي عليه أن يفكّر؟ يجب المحافظة على ذلك النموذج أمامه؛ إنهم نموذج وقدوة، شهداؤنا قدوة. يشتكي بعض أحياناً عندنا قائلين إنّنا لا ندلّ شبابنا إلى قدوة، حسنًا، هؤلاء آلاف النماذج هم قدوة، في هذه المحافظة 3000 قدوة، وفي تلك المحافظة1800 قدوة، والآلاف في المحافظات المتعددة، أعرضوا هذه النماذج وقوموا بإبرازها، أعرضوا وجوههم المنيرة بشكل مباشر أمام أنظار الشباب. بالطبع فإني لا أعارض هذه الألبومات وما شاكل، لكن هذه ليست هي الأعمال الأساسية؛ من الأمور البالغة الأهمية التي بمقدورها أن تصنع الأسوة، هي بيان سيرة حياتهم وكيف كانوا يعملون في حياتهم، كيف كانوا يتصرفون، وكيف كانوا يُنفقون، وكيف كانوا ينظرون إلى المسؤولية.
عمل أصحاب الأقلام المبدعة!
على فنّانينا أن ينزلوا إلى الميدان، فنّ الكتابة، فنّ التجسيد في النص والكتابة، هذه أمور بالغة الأهمية. ولا يسعوا فقط لإنتاج الأفلام، الأفلام جيدة، وهي من الأمور الضرورية جداً، ولطالما أكّدتُ أنا العبد عليها وأوصيتُ بها، واليوم أيضاً أوصي مجدداً بإنتاج الأفلام، غير أنّ هذا التأكيد على الأفلام ينبغي ألّا يجعلنا نغفل عن الكتاب. فليقم من هم من أهل الكتابة وأصحاب الأقلام المبدعة والذوق الرفيع بتصوير وتجسيد هذه الأمور، ليؤلفوا كتباً قصيرة، بحيث يتمكّن الشباب من قراءتها بسهولة، لينتجوا وينشروا الكتب؛ لا داعي للمبالغة أصلاً ولا لكتابة أشياء غير واقعية، فليقوموا بتبيين ما حدث في الواقع بشكل صحيح، فليبيّنوا بكل جمال وبلاغة؛ فإنّ هذا ما يجذب القلوب؛ هذا ما يترك تأثيراً في الناس.
* تبيين سيرة الشهداء
إذًا فالنقطة الأولى هي أن نرسم ونصوّر ونعرض لشبابنا وأجيالنا الصاعدة سيرة الشهداء، نمط حياة الشهداء ليروا كيف كانوا وإلى أين وصلوا. فإنّ الحرب المفروضة التي كانت في الواقع دفاعاً مقدساً، لم تكن بالأمر البسيط؛ فنحن لا نزال، ورغم مرور كل هذه السنوات، عاجزين عن شرح وتحليل أبعادها الهامة لمخاطبينا بشكل صحيح؛ لقد كانت حرباً عالمية ضد الإسلام وضد حكم الإسلام وضد الإمام العظيم؛ كانت حربًا كهذه. مع أنّهم وضعوا قمّتها وما يسمى برأس حربتها ذلك السيّئ الحظ العديم العقل البعثي صدام، ولكن الآخرين كانوا يقفون وراءه ويدعمونه، من الذين كان يساعدونه، يدلّونه على الطريق، بعضٌ يزوّده بالذخائر والتجهيزات، بعضهم الآخر يقوّيه إذا ما أصيب بالضعف والوهن ويحول دون سقوطه. كنّا نواجه حربًا كهذه. فمن هم أولئك الذين استطاعوا إنقاذ البلاد من مثل هذا البلاء الكبير؟ هذه قضية هامة لشبابنا اليوم. من هم هؤلاء الذين تمكّنوا من إنقاذ البلد والنزول إلى وسط الميدان؟ هذه أمورٌ هامة. إذًا فهذه نقطة وهي وجوب تبيين سلوكيات هؤلاء الشباب وتوضيحها للجمهور الحالي.
* بيان مثل الشهداء العليا
هناك نقطة أخرى هي المثل العليا والأهداف الكبرى للشهداء. حسنًا، ما هي المثل العليا لهؤلاء الشباب؟ ما هي الأهداف السامية التي قاتلوا من أجلها؟ هل كانت القضية فقط مسألة حربٍ على الأرض وترسيم الحدود وما شابه، بحيث إنّ هناك عدو قد اعتدى على حدودنا ونريد طرده وإخراجه من أرضنا؟ هل كان الأمر يقتصر على ذلك؟ ما كانت المثل العليا للآباء والأمهات؟ هذا الأب وهذه الأم اللذان ربّيا هذا الشاب، ولم يقبلا أدنى أذى لشوكة في قدمه، أو أن يصاب بأي مرض طفيف، فإذا بهما يرسلانه هكذا إلى جبهات القتال، رغم أنهما غير متأكدين كثيراً من أنّه سيعود إليهما سالماً؛ هذا أمرٌ بالغ الأهمية. على أي أساس أرسل هؤلاء الآباء والأمهات هذا الشاب للحرب؟ هذه مسائل هامة، فالتفتوا إليها واهتموا بها، لقد حاول الكثيرون من الأشخاص إخفاء هذه الحقائق وكتمانها. كانت المثل العليا عبارة عن الإسلام والله والحكم الديني والإسلامي؛ هذه المثل كانت تشدّ ذلك الشابّ إلى الجبهة، ومن لا يصدّق ذلك فلينظر إلى وصاياهم؛ ما كان يوصي به الإمام الخميني العظيم قائلاً: "عبدتَ لمدة خمسين عاماً، تقبّل الله عملَك، اذهب واقرأ هذه الوصايا لمرة واحدة"؛سببه أنّ هذه الوصايا تظهر الدافع والسبب الذي جاء بهذا الشاب للحرب؛ أيّ جاذبيّة وأي مغناطيس شدّه وحرّكه؛ وما الذي دفعه ليتجاوز أهواء الشباب، وأن يترك دراسته وجامعته، ويتخلى عن أجواء حياته المريحة قرب أمه وأبيه، وأن يتوجه إلى صقيع المناطق الغربية، أو حرارة منطقة خوزستان، ليقاتل العدوّ حاملاً روحه على كفّه. بالطبع فإن قتال العدوّ يبدو من بعيد أمراً هيّناً! لكن ما لم يذهب الإنسان إلى هناك، ولم يشاهد ويسمع أصوات القذائف والمدافع والانفجارات وما شابه، فإنه لن يدرك بشكل صحيح واقع الأمر. هذا الشاب يهبّ للذهاب إلى هناك، يضع روحه على كفه، ويقتحم المخاطر، من أجل ماذا؟ هذا ما يظهر في الوصايا؛ في سبيل الله وفي سبيل الإمام ولأجل الحجاب. لقد رأيتم في وصايا الشهداء كم تمّ التأكيد على الحجاب؛ حسنًا، إن الحجاب حكم ديني؛ فلا ينبغي نسيان هذه المُثل العليا للشهداء. ولا يكوننّ التصوّر هكذا بأنها "لم تكن سوى حرباً كسائر الحروب التي يخوضها الآخرون في العالم؛ حيث يوجد لكل بلد عدوٌ، وقد تدور حربٌ، ويلتحق الشباب بجبهات القتال، ويقاتلون، ويُقتلون أو يُجرحون أو يعودون أحياء، وهؤلاء مثل أولئك"؛ لم تكن هذه هي القضية؛ وإنما هي قضية الدين والمثل الإلهية وحاكمية الإسلام والثورة والإسلام الثوري والتي كانت تدفع هؤلاء للقتال.
لولا صبر أمهات الشهداء وآبائهم..!
كذلك هم الآباء والأمهات أيضاً؛ لو لم يكن هدفهم سبيل الله، ولو لم يكونوا يتطلّعون إلى اللطف الإلهي والفيض الإلهي، كيف كانوا سيسمحون لولدهم الشاب أن يلتحق بساحة المعركة، ومن ثم يصبرون. ولطالما قلتُ, أنا العبد, لعوائل الشهداء ولآبائهم وأمهاتهم, واليوم أيضاً أقول: إنّ صبركم هذا حافظ على هذه الحركة وأدّى إلى أن لا تخبو شعلة المقاومة والقتال في سبيل الحق، كان هناك صبر من الآباء والأمهات، وإلّا فلو أنهم كانوا بعد استشهاد ولدهم يقومون بالنحيب والبكاء والشكوى وافتعال المشاكل وإلقاء اللوم هنا وهناك، لما أرسلت الأسر الأخرى شبابها. فإنّ ما جرى كان بفضل عوائل الشهداء، هذه الروحيات هي التي حفظت الثورة؛ روحية التضحية والإيثار.
رسالة أم الشهيد..أبكت الإمام!
لعلّي كرّرتُ هذه الذكرى مرّات عديدة -علماً أنّ الذكريات كثيرة، تبلغ المئات بل قد تفوق ذلك بكثير- في إحدى المدن التي زرتها في زمان رئاسة الجمهورية، بعد أن أنهيتُ خطابي وأردتُ العودة، التفّ الناس حولي وعبّروا عن محبّتهم، كنت متجهاً نحو السيارة لأركبها، وإذا بي أسمع سيدة من خلف الجموع تدعوني وتكرّر اسمي، فعلمتُ أنّ لديها أمراً هاماً، فتوقّفت وقلت دعوا هذه السيدة تتقدم لنرى ماذا تريد ولماذا تصرخ هكذا وسط هذه الجموع. تقدّمت وقالت يا سيد كان ولدي قد وقع في الأسر -ولا أتذكر بالضبط، ولكن أحتمل أنّها قالت ولدي الوحيد– وقد وصلني خبر استشهاده في المعتقل منذ عدة أيام، فقولوا للإمام –بمثل هذا التعبير مثلاً، لا أتذكر تفاصيله الآن، بالطبع قد دوّنت هذا وذكرته مراراً- إنّ ابني فداءٌ لك أيها الإمام؛ ولو كان عندي ولد آخر لأرسلته للقتال أيضاً. هذه رسالة أم شهيد، فانظروا إلى هذه الروحية! عندما رجعت أخبرت الإمام بذلك، فإذا به يبكي، انهمرت دموع الإمام عند سماع هذا الكلام وهذه المشاعر.
لمن كانت تتوجه هذه الروحيات ولأجل ماذا؟ لا يمكن للإنسان أن يشهد مثل هذه الأمور إلّا في سبيل الله، حيث تقوم والدة شهيدين بإنزال ولَدَيها إلى قبرهما وهي لا تبكي! أو أنها تطلب من الآخرين عدم البكاء قائلة إنّي قدّمتُ أولادي في سبيل الله، وتكون مسرورة أيضاً؛ هذه هي تلك المثل العليا.
بناءً على هذا، ينبغي ألّا ننسى المثل العليا للشهداء والتي كانت عبارة عن الله والإسلام وإسلام الثورة والحكومة الإسلامية وحاكمية الدين، وأن لا نحولها إلى قضية عادية، أو نقول هذه الحرب كانت مثل سائر الحروب، حيث يُقتل بعضهم فيها، ويتعرض بعضهم الآخر للأسر أو الجراح، في جميع الحروب يُقتل عدد من الشباب! لم تكن القضية هكذا. هذه نقطة أيضاً.
فرصة لا تضيّعوها!..أولوية وفورية!
هناك نقطة أخرى -ولحسن الحظ فقد رأيتُ في كلمات السادة أنّهم ملتفتون إليها ومهتمون بها- هي أن تغتنموا الفرصة المتبقية للحديث والحوار مع آباء الشهداء وأمهاتهم. لقد رحل الكثير منهم عن دار الدنيا، وضاعت هذه الفرصة منّا ومنكم لنرى ما هو مربى هذا الشاب ومنبته. عندما يتحدث الأب والأم فإنما يُعرف من كلامهما الجو والبيئة التي نشأ وكبر فيها هذا الشاب؛ هذا أمرٌ مهم جداً. ويُبيّن لنا نوع البيئة التي تربّى فيها من حيث الموقع الاجتماعي والطبقة الاجتماعية ومن حيث الميول والتوجّهات المختلفة، إضافة إلى أنّ بإمكانها أن تكشف لنا بعض التفاصيل من حياة الشهيد أيضاً. هذه ثمرة أخرى فلا تضيّعوها، فعليكم بالتواصل مع آباء الشهداء وأمهاتهم. إذ قد مضى على نهاية الحرب حوالي الثلاثين عاماً، وكثير من الآباء والأمهات قد فارقوا الدنيا، وبعضهم الآخر على مشارف الرحيل، وبالتالي فإنّ الوقت قليل. فاعتبروا هذه القضية من القضايا الفورية ومن الأولويات، واذهبوا في الدرجة الأولى نحو الآباء والأمهات الموجودين، وزوجات الشهداء إن كانوا من المتزوجين، والإخوة والأخوات إن كان لديهم إخوة وأخوات، واسألوهم عن الشهيد وعن أخلاقه وروحيّته، ثم ضعوا تلك المعلومات في متناول جيل الشباب.
المضمون والمحتوى.. الأهم!
إنّ هناك أعمالاً جيدة في الواقع يتم إنجازها في هذه المؤتمرات والاجتماعات. بعض هذه الأعمال هي أعمال بصرية ملفتة للنظر، وهي جيدة جداً وهي أعمال مطلوبة، أسماء الشهداء المباركة وصورهم ورسومهم وبعض كلماتهم التي تُعلّق في الشوارع والمعابر، ملفتة للنظر وضرورية؛ لكن الأهم منها هي مسائل المضمون والمحتوى. فليكن العمل على تعزيز بُعد المحتوى وبُعد الهداية والبُعد التربوي في هذه اللقاءات. ذلك أنّ أي لقاء تقيمونه يترك تأثيراً كبيراً على عدد كبير من الناس، ولا أقول على الجميع، فإنّ الناس مختلفون، وتأثرهم له أشكال وأنواع مختلفة، لكن وفي الحد الأدنى فإنه سيترك تأثيراً على مجموعة ما وعدد من الأشخاص؛ يتم إظهار وضع الحرب والجبهة على ألسنة هؤلاء. ليعرف شباب اليوم وفتيان اليوم حين نتحدّث نحن الدفاع المقدس، ما هو هذا الدفاع المقدس؟ هذا ما ينبغي بيانه على ألسنتهم. كما أنّ بعض الكتب التي أُلّفت في هذا المجال، والتي علّقتُ أنا العبد على بعضها، هي جيدة جداً من هذه الناحية، حيث تصوّر تفاصيل الأحداث وتلك الإبداعات والتضحيات ومشاعر الغربة والإيثار والشهامة والشجاعة التي كان يتحلّى بها الشباب خلال العمليات وقبل تلك العمليات، وما كانوا ينجزونه من مهام في تلك اللحظات العصيبة، لقد تمّ تصوير هذه الأمور وتبيينها بشكل جيد؛ فليتم تبيين هذه المسائل للجيل الشاب أيضاً.
نسأل الله أن يوفّقكم جميعاً، ونرجو أن يمن الله علينا بهذا الفيض أيضاً لنتمكّن من فهم مرتبة الشهداء ومنزلتهم حقاً، وأن يجعل مجتمعنا مجتمع شهداء إن شاء الله، فإن تحقق هذا، فستتأمن الدنيا والآخرة لبلادنا وشعبنا ومجتمعنا إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أقرأ ايضا في شبكة عشق الروحيه
الامام الخميني- وصايا الامام للشبابالشيخ عيسى قاسم- توجيهاته للطلبه الجامعيينالشيخ عيسى قاسم- اضاءات قرآنيهالوصية 6 - خشوع العصاةحب الحسين يحط الذنوب العظام