الوصايا الاربعون | الشيخ حبيب الكاظمي
س1/ ما هو دور المعرفة النظرية في عالم الترقي والتكامل؟..
هنالك خلاف معروف في عالم الترقي والتكامل، في هذه المسألة: فالبعض يريد أن يعتمد على وارداته الذاتية، حيث يعتقد أنه من خلال التأمل في الصلاة، أو في العبادة، أو وهو مستلق، فما يأتيه من هواجس ولو توحيدية، فهي هواجس مقدسة، ويعول على هذه التوجيهات.
والبعض يتوغل في الجانب النظري، فيقرأ كتبا في هذا المجال، وكأن قضية الحب والعشق الإلهي، تأتي من خلال المطالعة فقط!.. فيقرأ ويقرأ، ولكن-كما يقال- كثرة الكتب لا تزيده إلا كثرة الحجب!.
والحل الأوسط هو الجمع بين العالمين: عالم التأملات الباطنية- أو كما تسمى الواردات، أو الهواجس، أو الإلهامات الغيبية- وبين المعرفة النظرية.
هناك قوم سلكوا في طريق القرب إلى الله تعالى، ولكن شدة انشغالهم بعوالم الربوبية، شغلتهم حتى عن التأليف.. لأن التأليف يحتاج إلى توجه والتفات للغير، أي إلى مجاهدة بأن يقطع أنسه برب العالمين.. مع أن التأليف أمر راجح، لأنه يكتب ويؤلف كتابا، لتحبيب الناس إلى الله تعالى.
ولكن ينبغي الحذر، فليس كل من يكتب يؤخذ بكتاباته!.. الصادقون منهم الذين كانوا على مستوى العطاء، والأخذ بأيدي التائهين إلى الله تعالى، هؤلاء-إنصافا- كتابتهم جيدة ونافعة، وفيها تجارب مروا بها وينقلونها
وعليه، إن من الضروري مراجعة كتب القوم، ولكن بشرط أن يكون الكاتب والمؤلف في هذا المجال له خاصيتان-وأؤكد على هاتين الخاصيتين-:
الخاصية الأولى: أن يكون هو من الصادقين في حركتهم.. لأن بعض الناس يتقمص الأمر تقمصا، ويمثل تمثيلا.. فهؤلاء لاشك غير البعض الذي-كما يقال- اكتوى بنار الحب الإلهية.. وفي دعاء كميل إشارة إلى هذه الحقيقة، إذ يقول: (يا حبيب قلوب الصادقين!).. فإن رب العالمين لا يتحبب إلى كل أحد، إنما يتحبب إلى الصادقين في المحبة.
والخاصية الثانية: أن يكون الكتاب المؤلف، متشبعا بالكتاب والسنة، مما ورد عن النبي وآله (ص).
ومن المعلوم أن الآيات الأنفسية المتعلقة بالتكامل، أكثر من الآيات المتعلقة بالأحكام الشرعية، فالآيات المتعلقة بالأحكام هي تقريبا ما جاوز عددها خمسمئة آية، وإلا فالقرآن في غالبه إشارة إلى التوحيد، والتقرب والدعوة إلى الله تعالى.. قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، ما معنى ما استطعتم؟.. {اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}، ما معنى حق التقوى؟.. ما معنى {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}؟.. و ما معنى {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}؟..
إن هذه آيات أساسية في موضوع التكامل الأخلاقي.. فالذي لا يعلم هذه الآيات، ومدلولاتها وعمقها، ولم يطلع على المنهج النبوي والإمامي؛ أليس هو بعيدا كل البعد عن هذا العالم؟!.. إن أئمة أهل البيت (ع)، هم أدرى الناس بما في البيت.. فما قاله الإمام الصادق (ع) لا يعلى عليه، وعلى اختلاف الفرق، لا يشك في إلمامه بقضايا التوحيد والولاية.
أقرأايضا
في شبكة عشق الروحية
الشيخ حبيب الكاظمي الوصية 1-الاحساس بلذة العبادة