الوصايا الاربعون | الشيخ حبيب الكاظمي
_______________________________
س/ ما هي موجبات وضوابط الإمداد الغيبي؟..
إن الإمدادات الغيبية اصطلاح متكرر وموجود، ولا شك أنه شيء مريح!.. ولكن ينبغي أن نتعامل مع هذا الأمر بحذر، لأنه قد يجر صاحبه إلى الوهم، بمعنى ينبغي ألا نخلط بين الوهم والحقيقة!.. لأن الإنسان الذي يتوقع المدد الغيبي، فإنه دائما يكون في حالة ترقب وانتظار لهذا المدد، ومن هنا فقد يفسر أي ظاهرة تفسيرا غيبيا، والواقع بأنه غير كذلك.. كالذي يدعي رؤية الهلال في أول شهر رمضان، فهو لا يكذب بل يتوهم، لأن رغبته في ظهور الهلال، تجعله يتصور أنه رآه.. فالأمر هكذا بالنسبة للبعض، فمثلا يتفق أن يرى في المنزل إضاءة آتية من الشارع، فيظن أن هذه الأنوار هي أنوار الملائكة.
ومن المعلوم أن أهم مدد غيبي هو في عالم الأنفس، لا في عالم الآفاق.. والدليل على ذلك أنه لو سئل العبد: أيهما أفضل عندك: أن نريك نورا حسيا، ورائحة من روائح الجنة، أو أن نربط على قلبك وفؤادك، ونعطيك بصيرة في الأمور، لتمشي في الناس بنور من الله تعالى؟.. فلا يشك عاقل أن الثاني هو الأولى.. فأفضل مدد غيبي للعبد هو التجليات الأنفسية، بأن يعرف سبيله في هذه الحياة.. إذ لا يخفى أن الإنسان كثيرا ما يقع في حالات تحير، في أخذ القرار المناسب، وخاصة في المواقف المصيرية، التي تترتب عليها تبعات كثيرة، فهنا محل حاجته للمدد الغيبي، بأن يعلم كيف يسلك الطريق الصحيح.
ثم إن هذا النوع من المدد-التجليات الأنفسية- له طريقه.. ففي روايات أهل البيت (ع) ورد أن المؤمن إذا التبست عليه الأمور، عليه أن يقوم بصلاة الاستخارة، ويدعو الله تعالى بانقطاع، بأن يسدده ويلهمه ويمده بهذا المدد، ويجعل في قلبه نورا وشرحا، لما هو أفضل له.. بينما لم نر عملا أو دعاء، من أجل أن يشم الإنسان رائحة طيبة من روائح الجنة.
أضف إلى محدودية المدد في حياة الفرد.. وإلا أصبح الناس كلهم يدعون الكرامات وغيره.. ولكنه في حياة الأمة أجلى وأوضح، وخاصة في مواجهة الكفار والمنافقين وأعداء الدين، إذ أن رب العالمين ألزم نفسه بهذا الأمر، كما يقول تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}..
فالمؤمن قد لا يرى مددا غيبيا واضحا، في حياته اليومية.. ولكن مع مواجهة الأمة لقوى الكفر والانحراف، فإن رب العالمين كثيرا ما يسدد، كما في معركة بدر، حيث كان التسديد واضحا جدا.. وطول التاريخ في المفاصل التاريخية من حياة الأمة، كان الملاحظ تدخل رب العالمين..
وليس بالضرورة أن يكون التدخل على شكل ملائكة مسومة، ولكن بأشكال أخرى: كتصريف أمور، أو هلاك ظالم من الظالمين، أو ولادة مؤمن من المؤمنين.. ومن المعلوم أنه على رأس كل مئة سنة، يهيئ رب العالمين من يجدد الدين.. فالبعض عمل إحصائية على طول الزمان، فوجد أنه في كل قرن، يأتي من يجدد النشاط والحيوية في هذا الدين، فهذه صورة من صور الإمداد الغيبي.