الوصايا الاربعون | الشيخ حبيب الكاظمي
________________________________
س/ ما هي مصاديق حالة عدم التوازن، في النمو الروحي؟..
إن مصاديق عدم التوازن الروحي كثيرة، ومنها ما هو مرتبط بجانب النشاط الاجتماعي، مثل: حالة العزلة، أو عدم العزلة.. إن الإنسان الذي لا يعلم أصول فن الطريق، ففي فترة من فترات حياته قد يقبل على الناس، وعلى العمل معهم، والأنس بهم.. وفي فترة أخرى قد ينكمش، لما يرى بعض المزعجات والمحبطات والمنفرات، فيعيش حالة انطوائية.. فهذا انحراف، وذاك انحراف!..
فليس مطلوب أن يكون الإنسان مشغولا بالناس، إلى درجة يذهل عن نفسه وعن ربه، ويعيش مع الناس بكل وجوده، فالمؤمن له وقفة في الليل صلاة ومناجاة، وله ساعات عبادية.. فالمؤمن لا يجعل كل شغله بالناس، حتى مع أقرب الناس إليه، كالأهل والأولاد.. فقد ورد عن علي (ع): (لا تجعلنَّ أكثر شغلك بأهلك وولدك!.. فإن يكن أهلك وولدك أولياء الله، فإنَّ الله تعالى لا يضيع أولياءه.. وإن يكونوا أعداء الله، فما همّك وشغلك بأعداء الله؟!.). أي أعطهم حصتهم ونصيبهم..
فالمؤمن في كل شؤون الحياة، يحاول أن يكون متوازنا في مشيته.. إن الذي ميز عليا (ع) عن غيره، هو جمعه للصفات المتناقضة.. ومن هنا وصفه الشاعر، بقوله:
جُمعتْ في صفاتك الأضدادُ *** فلذا عزّتْ لكَ الأندادُ
زاهد حاكم حليم شجاع *** فاتك ناسك فقير جواد
فقد كان في الحروب له حالة، ومع الناس له حالة أخرى.. مع أن الإنسان العسكري عادة إنسان خشن، وحاد المزاج، وشكله مهيب لا يبتسم، ومع كونه الشجاع الأول، ذراع رسول الله (ص)، صاحب ذي الفقار، إلا أنه كان يعاب عليه بأن فيه دعابة، لأنه كان طيبا مع الناس ويلاطفهم.. والنبي الأكرم (ص) أيضا كان كذلك، فقد كان يجمع بين الهيبة والملاطفة مع أصحابه.