الوصايا الاربعون | الشيبخ حبيب الكاظمي
س1/ هل يمكن أن يصل الإنسان إلى درجة أنه لا يعيش حالة التذبذب، في علاقته مع رب العالمين؟..
إن من أصعب المراحل أن يصل الإنسان إلى درجة أنه يعيش حالة متساوية مع رب العالمين، بحيث تكون ساعاته من الليل والنهار وردا واحدا، وحاله في خدمة المولى سرمدا، كما في دعاء كميل.
ولهذا نحن نعتقد أن صيغ الاستغفار المنقولة عن المعصومين (ع)، مرتبطة بهذه الحالة التذبذبية، وإلا فالمعصوم لا يعقل في حقه المعصية.. فالنبي (ص) كان يقول: (لي مع الله حالات)، وأمير المؤمنين (ع) له غشوات في جوف الليل، وسيدتنا فاطمة (ع) كانت لها وقفات في محراب العبادة ليالي الجمعة.. فإذا كان كبار البشر-النبي وآله (ص)- يعيشون هذه الحالة التذبذبية، وعندهم حالات مختلفة، فكيف بنا نحن؟!..
إلا أن المعصوم اختلاف الحال عنده، من الأعلى للعالي.. بينما نحن من العالي للسافل، أو قد يكون من السافل للأسفل.
فإذن، إن حالة الثبات من الصعب أن نحصل عليها.. وهناك اصطلاحان مرتبطان بهذا الأمر، هما: الحال: وهي الحالات التذبذبية.. والمقام: وهي الحالات الثابتة..
ولكن كيف نجعل لأنفسنا حدا أدنى للتسافل أو التنزل، وهو عدم الغفلة الشديدة؟.. مثلا: إن المؤمن لو تكلم كلاما لا يعنيه، فهو قد تنزل.. أما عندما يصل إلى مستوى أنه يلازم القهقهة، أو الأكل بنهم وشهوة، أو التوغل في الشهوات المختلفة؛ فإنه قد جاوز الحد في التنزل، وهنا نذير خطر!..
للتقريب نذكر هذا المثال:
هناك نوع من الطيور تهبط من الجو، وتغوص في البحر، لتلتقط الأسماك، وفي الأثناء قد تكون صيدا للأسماك المفترسة.. إن هذه الطيور كانت قبل أن تهبط، تحلق في أعالي الجو في أمان، ولكنها لما تنزلت إلى درجة الغوص كان مصيرها الهلاك!.. وكذلك المؤمن، فعليه أن يحاول قدر الإمكان أن يرفرف في أجواء عليا.. لأنه بمجرد أن يتنزل إلى بحر الدنيا إلى درجة التوغل، فإن مصيره الهلاك، في بطون الشياطين المفترسة!.
وكما قلنا من الصعب أو شبه المستحيل، أن يصل الإنسان إلى حالة لا يكون فيها تذبذب، ولكن ليحاول أن يجعل له حدا أدنى، بأن يكون التذبذب تذبذبا بسيطا، لا تذبذبا بمدى شاسع كبير جدا.. ونعتقد أن الصلاة الموزعة في أوقاتها الثلاثة، تعيد التوازن.. فالإنسان يتسافل عصرا، فصلاة المغرب ترفع من مستواه؛ ويتسافل ليلا، فصلاة الفجر ترفع من مستواه؛ ويتسافل نهارا، فصلاة الظهرين ترفع من مستواه.. فالذي يحافظ على صلاته اليومية في أول الوقت، فمن الممكن أن يقلص هذه الحالة التذبذبية إن شاء الله تعالى.